mercredi 7 septembre 2011

تكتيـــــــك

التكتيك مفردة يونانية (Taktikē ) وتعني تنظيم الجيش ومثلها الكلمة اليونانية الاخرى الاستراتيجيا (stratēgos) التي كانت في الاصل تعني القائد العسكري قبل ان تحمل معنى علم تخطيط العمليات العسكرية. والتكتيك جزء من الاستراتيجيا يتبدل ويتلون لتحقيق هدفها... ثم توسعت المفردتان في العصر الحديث لتشملا الميادين كافة تقريبا مثل الادارة والتسويق والسياسة وغيرها. ولم يعرف العرب القدامى للتكتيك معانيه الحديثة وأنّى لهم ذلك وهم الذين قتل بيت الشعر (الخيل والليل...) شاعرهم الفحل الذي لم يفكر في تكتيك يناقض قوله في فخره.. فعند العرب «تَكْتَكَ الفرسُ مَشَى كأَنه يطَأُ على شوك أو نار. وتَكْتَكَ النبات: وطِئَهُ فشدخه» (المعجم الوسيط) وتكتك اللحم جعله قطعا... والمسلمون الأوائل أيضا الذين أخذوا عن اليونان الكثيرمن العلوم أهملوا على ما يبدو هذا «التكتيك» لان الله سبحانه حرّم على المجاهدين الفرار من ساحة الوغى وتولية الادبار الا للتحفز أو التحيز لفئة. وبما أن العرب «الاقحاح» في هذا العصر المجيد قد واكبوا الحداثة والتطورفقد اعتمدوا كلمة التكتيك بل عشقوها واعطاها (معجم اللغة العربية المعاصر)عدة معان منها / «مجموع الأساليب المستعملة للحصول على النتيجة المرجُوّة»/ ومنها (وسائل وطرق وخطط تنفيذيَّة تتّخذ للنجاح في أمرٍ ما «تكتيك برلمانيّ/ سياسيّ».) /اضافة إلى معان اخرى مثل تكتكة الساعة واصطكاك الاسنان من البرد... وإلى المعاني ذات الصبغة العسكرية. وفي (المعجم الغني) نجد [ت ك ت ك]. (فعل: رباعي لازم متعد بحرف). تَكْتَكْتُ، أُتَكْتِكُ، تَكْتِكْ، مصدر تَكْتَكَةٌ.هذا الفعل الرباعي اللازم المتعدي بحرف تعدّى عليّ بل طعنني في اكثر من مرّة واكثر من مناسبة... الأولى كانت يوم الاربعاء 7 جوان 1967 ثالث ايام الحرب (تلك التي سميناها نكسة) عند الظهر حيث اعلنت القيادة العسكرية المصرية أنها اجرت «انسحابا تكتيكيا»من خط المواجهة الأول إلى خط آخر يقع عند المضائق في سيناء أي التقهقر امام العدو الصهيوني..ومثلهم فعل السوريون في ما بعد في الجولان... وصدّقت بل دافعت بقوة عن هذا «الانسحاب التكتيكي» وخوّنت كل من تجرّأ ليصف هذا التكتيك بالهزيمة... ولم يطل الأمد... يومان واليهود يغسلون أرجلهم في قناة السويس ويتنشقون هواء قمم الشام والهزيمة اطارت العقول وأدمت الالباب...
سبتمبر 1993... حرب الخليج الثانية انتهت... والامريكان جمعوا العرب والصهاينة ليضعوا حدا للصراع (بتحقيق اهدافهم طبعا) واذا بالمرحوم ياسر عرفات ينسحب من الوفد «العربي الموحد» (لم يُعترف للفلسطينيين بحق التفاوض مستقلين فكانوا ضمن الوفد الاردني) واذا بـ«مفاوضات» اخرى سرية بطلها «مجنون السلام» أبو مازن أي محمود عباس في أوسلو... وإذا بنا امام توقيع «اتفاق السلام» في أوسلو... والكاميرات تنقل الحدث لحظة بلحظة... والمجرم اسحاق رابين ينضم إلى السفاح مناحيم بيغن في نيل جزء من جائزة نوبل للسلام.... وجنّ جنون المطالبين باستمرار المقاومة ونقل السيف لأجيال وراء أجيال حتى نسترد الحق... وقيل انه «تكتيك» من ابوعمار.. يدخل الأرض الفلسطينية حتى على شبر منها ثم لكل حادث حديث ولن يكون هناك تنازل في الثوابت... ويصل التكتيك بعرفات إلى الاغتيال وبالقضية إلى مهب الرياح فلا تكتيك «السلام» أثمررغم بقاء «مجنونه» ولا المقاومة الحقيقية استمرت...
9 أفريل 2003... القوات الامريكية مضى عليها عشرون يوما وهي تدك العراق دكا بعدما خلخل الحصار كيان البلد اكثر من عقد... قيل انه لا حول للعراقيين امام التكنولوجيا الصاروخية والجوية الامريكية وهذا صحيح وانه عندما ينزل الجند الى البر فسوف تفتن المعادن ويشمخ الرجال... وبدأ الدخول البري من الكويت... وسارت الدبابات المعادية كأنها «تقطع قالب جبنة» حسب وصفهم... وقيل انسحاب تكتيكي للقوات الصدامية إلى العاصمة بغداد التي ستكون مقبرة للكوبويات مثلما كانت للمغول والتتار..ويومان أو اقل واذا بغداد بيد الاعداء... وافتضح امر هذا التكتيك ولم نصدق أن بغداد يمكن أن تسقط في ساعات لكننا لم نصدق أن سقوطها كان أيضا تكتيكا سيتبعه الويل والثبور للغزاة....
أوت 2011.... ثوار ليبيا يقتحمون قلعة باب العزيزية التي لا تقهر وفيها «البيت الصامد» الذي أكدت عائشة وابوها انهم لن يغادروه وسيرقصون فيه ويموتون دونه... ومرة اخرى يأتي الاعلان رسميا من جانب الناطق الرسمي باسم القذافي انه «انسحاب تكتيكي» سيتلوه زحف على «الجرذان» بالملايين... واذا «الجرذان» كما وصفهم يتقاذفون صنمه ويتلهون بقبعته وعصاه الملكية وألبومات صوره مع كوندوليزا.... باختصار «الجرذان» فوق الارض يرقصون في الشوارع وبين القصور الخاوية و«القائد الاممي» المنسحب تكتيكيا تحت الارض يبحث عن مكان يحميه.... ولم يصدق احد هذه المرة أن الانسحاب «تكتيكي» بعده يعود الجرذان إلى الجحور ويخرج القادة من جحورهم
هذا في الجانب العسكري من التكتيك... أما عن التكتيكات الأخرى فحدث... تكتيك بن علي بزواج أول أوصله إلى المراتب العسكرية العليا / تكتيك ليلى الطرابلسي بما حباها الله من امكانيات بارزة وخلفيات ثقافية حتى دخلت قلب بن علي وقصره وخربت البلد/ تكتيكات الاحزاب تتوالد وتأتي بالمال «الحلال» وتتشاتم وتتسابق لسرقة ثورة الشعب والحكم نيابة عنه / تكتيكات المليارديرات الذين استبدلوا فساد الطرابلسية بفساد البلطجية /الخ...
من أجل هذا كله كرهت كلمة تكتيك حتى ولو كانت في معنى تقطيع اللحم وسأظل ارفض كل المتكتكين عسكرا ومدنيين... ولن اعترف فيما بقي من عمري باي «زعيم» متكتك مهما تكتك لاقناعي... واحذر شباب امتي من كل متكتك فكلهم سماسرة منافقون لا يهمهم وطن ولا تعنيهم كرامة مواطن فالصادقون هم الذين يعملون في صمت ومن دون تكتكة.
عبد المجيـــــد شعبــــــــان